فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا موضعٌ حسنٌ، يختلط على كثير من النَّاس، فلذلك شرحناه.
ونعني بالشذوذِ: شذوذ القياس، لا شذوذ الاستعمال، ألا ترى إلى استعمال التواتر بـ {القُصْوَى}.
قوله: {والركب أَسْفَلَ مِنكُمْ} الأحسنُ في هذا الواو، والواو التي قبلها الداخلة على {هم}: أن تكون عاطفة ما بعدها على {أنتُم}؛ لأنَّها مبدَأ تقسيم أحوالهم، وأحوال عدوِّهم ويجوزُ أن يكونا وَاوَي حال، و{أسْفَلَ} منصوبٌ على الظَّرف النَّائب عن الخبرِ، وهو في الحقيقة صفةٌ لظرف مكان محذوفٍ، أي: والرَّكْبُ مكانًا أسفل مِنْ مكانكم.
وقرأ زيد بنُ عليٍّ {أسْفَلُ} بالرَّفعِ، على سبيل الاتِّساع، جعل الظرف نفس الركب مبالغةً واتساعًا.
وقال مكيٌّ: وأجاز الفرَّاءُ، والأخفشُ، والكسائي رحمهم الله تعالى: {أسْفَلُ} بالرَّفع على تقدير محذوفٍ، أي: موضعُ الرَّكب أسفل، والتخريجُ الأوَّل أبلغُ في المعنى، والرَّكْبُ: اسمُ جمعٍ لـ(رَاكبٍ) لا حمع تكسر له؛ خلافًا للأخفش؛ كقوله: [الرجز]
بَنَيْتُهُ مِنْ عُصْبَةٍ مِنْ ماليَا ** أخْشَى رُكَيْبًا ورُجَيْلًا عَادِيَا

فصَغَّره على لفظه، ولو كان جمعًا لما صُغِّر على لفظه.
قوله: {ولكِن ليَقْضِيَ} متلِّقٌ بمحذوف، أي: ولكن تلاقَيْتُم لِيقْضِي، وقدَّرَ الزمخشريُّ ذلك المحذوف فقال: أي: ليقضي اللَّهُ أمرًا كان واجبًا أن يفعل، وهو نصرُ أوليائه وقهرُ أعدائه دبر ذلك، وكَانَ يحتمل أن تكون على بابها من الدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزَّمانِ الماضي، وأن تكون بمعنى صار، فتدُلَّ على التحوُّلِ، أي: صار مفعولًا بعد أن لم يكن كذلك.
قوله: {لِيَهْلِكَ} فيه أوجه:
أحدها: أنَّهُ بدلٌ من قوله: {ليَقضيَ اللَّهُ} بإعادة العاملِ فيتعلَّق بما تعلَّق به الأول.
الثاني: أنَّهُ متعلِّقٌ بقوله: {مَفْعُولًا}، أي: فعل هذا الأمر لِكَيْتَ وكَيْتَ.
الثالث: أنَّهُ متعلِّق بما تعلَّ به {لِيَقْضِيَ} على سبيل العطفِ عليه بحرفِ عطفٍ محذوف، تقديره: وليهلكَ، فحذف العاطفَ، وهو قليلٌ جدًّا، وتقدَّم التنبيه عليه.
الرابع: أنَّهُ متعلِّق بيَقْضِي ذكره أبُو البقاءِ رحمه الله تعالى.
وقرأ الأعمشُ وعصمة عن أبي بكر عن عاصم {لِيَهْلَكَ} بفتح اللاَّم، وقياسُ ما مضى هذا هَلِكَ بالكسر، والمشهور إنما هو الفتح، قال تعالى: {إِن امرؤ هَلَكَ} [النساء: 176] {حتى إِذَا هَلَكَ} [غافر: 34].
قوله: {مَنْ حَيَّ} قرأ نافعٌ وأبو بكر عن عاصم، والبزيُّ عن ابن كثير بالإظهار والباقون بالإدغام، والإظهارُ والإدغام في هذا النَّوْعِ لغتان مشهورتان، وهو كُلُّ ما آخرُه ياءان من الماضي أولاهما مكسورة؛ نحو: حَيِيَ، وعَيِيَ، ومن الإدغام قول المتلمِّس: [الطويل]
فَهَذَا أوانُ العِرضْ حَيَّ ذُبابُه

وقال الآخرُ: [مجزوء الكامل]
عَيُّوا بأمْرِهِمْ كَمَا ** عَيَّتْ ببَيْضَتِهَا الحَمامَهْ

فأدغم عَيُّوا، وينُشدُ عَيَّتْ، وعَييَتْ بالإظهارِ والإدغام، فمن أظهر؛ فلأنه الأصلُ ولأن الإدغامَ يُؤدِّي إلى تضعيف حرفِ العلَّةِ، وهو ثقيلٌ في ذاته؛ ولأن الياء الأولى يتعينَّ فيها الإظهارُ في بعض الصُّورِ، وذلك في مضارع هذا الفعل؛ لانقلاب الثَّانية ألفًا في يَحْيَا، ويَعْيَا، فحمل الماضي عليه طردًا للباب؛ ولأنَّ الحركةَ في الثَّانية عارضةٌ؛ لزوالها في نحو: حَيِيتُ، وبابه؛ ولأنَّ الحركتين مختلفتان؛ واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين.
قالوا وكذلك: لَحِحَت عينه وضببَ المكان، وألِلَ السِّقَاءُ، ومشِشَتْ الدَّابة.
قال سيبويه: أخبرنا بهذه اللُّغةِ يونسُ يعني بلغة الإظهار.
قال: قد سمعت بعض العرب يقولُ: أحْيِيا، وأحْيِيَة، فيظهر.
وإذا لم يدغم مع لزوم الحركةِ فمع عروضها أوْلضى، ومنْ أدغم فلاستثقال ظهور الكسرةِ في حرف يُجانسه؛ ولأنَّ الحركة الثانية لازمةٌ لأنَّهَا حركةُ بناء، ولا يضُرُّ زوالها في نحو: حَيِيْتُ، كما لا يَضُرُّ ذلك فيما يجب إدغامُه من الصحيح، نحو: حَلَلْتُ وظَللْتُ، وهذا كلَّه فيما كانت حركتُه حركة بناءٍ، ولذلك قُيِّد به الماضي.
أمَّا إذا كانت حركة إعراب فالإظهارُ فقط، نحو: لن يُحْيِي ولن يُعْيِيَ.
فصل:
قوله: {عَن بيِّنَةٍ} متعلق بيَهْلِكَ و{يَحْيَا}، والهلاكُ، والحياةُ عبارةُ عن الإيمان والكفرِ، والمعنى: ليصدرَ كُفْرُ من كفر عن وضوحٍ وبيان، لا عن مُخالطةِ شبهة، وليصدر إسلامُ من أسلم عن وضوحٍ لا عن مُخالطة شبهة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {إِذْ أَنتُم بِالعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ في المِيِعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}.
يخبر- سبحانه- أنَّ ما جرى يَومَ بدرٍ من القتال، وما حَصَلَ من فنون الأحوال كان بحكم التقدير، لا بما يحصل من الخَلْق من التدبير، أو بحكم تقتضيه رَوِيَّةُ التفكير. بل لو كان ذلك على اختيار وتَوَاعُد، كنتم عن تلك الجملة على استكراه وتَبَاعدُ، فجرى على ما جرى ليقضِيَ الله أمرًا كان مقضيًّا، وحصل من الأمور ما سَبَقَ به التقدير.
قوله جلّ ذكره: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
أي ليُضِلَّ منْ زاغ عن الحقِّ بعد لزومه الحجبة، ويهتديَ مَنْ أقام على الحقِّ بعد وضوح الحُجَّة.
ويقال الحقُّ أوْضَحَ السبيلَ ونَصَبَ الدليلَ، ولكن سَدَّ بصائرَ قومٍ عن شهود الرشد، وَفَتح بصائرَ آخرين لإدراك طرق الحق.
الهالك من وقع في أودية التفرقة، والحيُّ مَنْ حَيِيَ بنور التعريف.
ويقال الهالك من كان بحظِّه مربوطًا، والحيُّ من كان من أسْرِ كلِّ نصيبٍ مُسْتَلَبًا مجذوبًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (43):

قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم أتم سبحانه تصوير حالتهم بقوله مبينًا ما أشار إليه من لطف تدبره: {إذ} أي اذكر إذ أردت علم ذلك حين {يريكهم الله} أي الذي له صفات الكمال فهو يفعل ما يشاء {في منامك قليلًا} تأكيدًا لما تقدم إعلامه به من أن المصادمة- فضلًا عما نشأ عنها- ما كان إلا منه وأنهم كانوا كالآلة التي لا اختيار لها، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في منامه قليلًا فحدث أصحاب- رضى الله عنهم- م بذلك فاطمأنت قلوبهم وشجعهم ذلك؛ وعين ما كان يحصل من الفساد لولا ذلك فقال: {ولو أراكهم} أي في منامك أو غيره {كثيرًا}.
ولما كان الإخبار بعد الوقعة بضد ما وقع فيها مما يقتضي طبع البشر التوقف فيه، أكد قوله: {لفشلتم} أي جبنتم {ولتنازعتم} أي اختلفتم فنزع كل واحد منزعًا خلاف منزع صاحبه {في الأمر} أي فوهنتم فزادكم ذلك ضعفًا وكراهة للقائهم {ولكن الله} أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلمًا {سلم} أي ولكن لم يركهم كذلك فحصلت السلامة عما كان يتسبب عنها من النكوص، ثم بين العلة في ترتيبه ذلك وإخباره بهذا الأمر المفروض بقوله: {إنه عليم} أي بالغ العلم {بذات الصدور} أي ضمائرها من الجراءة والجبن وغيرهما قبل خطورها في القلوب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من التي أنعم الله بها على أهل بدر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله} منصوب بإضمار اذكر، أو هو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بقوله: {لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي يعلم المصالح إذ يقللهم في أعينكم.
المسألة الثانية:
قال مجاهد: أرى الله النبي عليه السلام كفار قريش في منامه قليلًا فأخبر بذلك أصحابه.
فقالوا: رؤيا النبي حق، القوم قليل، فصار ذلك سببًا لجراءتهم وقوة قلوبهم.
فإن قيل: رؤية الكثير قليلًا غلط، فكيف يجوز من الله تعالى أن يفعل ذلك؟
قلنا: مذهبنا أنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأيضًا لعله تعالى أراه البعض دون البعض فحكم الرسول على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون.
وعن الحسن: هذه الأراءة كانت في اليقظة.
قال: والمراد من المنام العين التي هو موضع النوم.
ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لفشلوا ولتنازعوا، ومعنى التنازع في الأمر، الاختلاف الذي يحاول به كل واحد نزع صاحبه عما هو عليه، والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم {ولكن الله سَلَّمَ} أي سلمكم من المخالفة فيما بينكم.
وقيل: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم، وقيل سلمهم من الهزيمة يوم بدر والأظهر أن المراد، ولكن الله سلمكم من التنازع {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} يعلم ما يحصل فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع. اهـ.

.قال السمرقندي:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله في مَنَامِكَ قَلِيلًا}
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن العدو قليل قبل أن يلتفوا، فأخبر أصحابه بما رأى في المنام أن العدو قليل، فقالوا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق والقوم القليل.
فلما التقوا ببدر قلّل المشركين في أعين المؤمنين لتصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ}، يعني لجبنتم وتركتم الصف، {ولتنازعتم في الأمر}؛ يعني اختلفتم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
{ولكن الله سَلَّمَ}، يعني ولكن الله أتمّ للمسلمين أمرهم على عدوهم، ويقال: سلَّم يعني قضى بالهزيمة على الكفار والنصرة للمؤمنين، ويقال: إذ يريكهم الله في منامك قليلًا يعني في عينك، لأن العين موضع النوم، أي في موضع منامك.
وروي عن الحسن قال: معناه في عينيك التي تنام بها.
ثم قال: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور}، يعني إني عالم بسرائركم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله} يا محمد يعني المشركين {فِي مَنَامِكَ} أي في نومك، وقيل: في موضع نومك يعني عينك {قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ} لجبنتم {وَلَتَنَازَعْتُمْ} اختلفتم {فِي الأمر} وذلك أن الله تعالى أراهم إياه في منامه قليلا فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، فكان تثبيتًا لهم ونعمة من الله عليهم شجعهم بها على عدوهم فذلك قوله عزّ وجل: {ولكن الله سَلَّمَ} قال ابن عباس: سلم الله أمرهم حين أظهرهم على عدوهم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إذْ يُرِيكُهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} فيه وجهان:
أحدهما: أن الله أرى نبيه صلى الله عليه وسلم قلة المشركين عيانًا، وقوله: {فِي مَنَامِكَ} يريد في عينيك التي هي محل النوم، قاله الحسن.
والثاني: أنه ألقى عليه النوم وأراه قلتهم في نومه، وهو الظاهر، وعليه الجمهور.
وإنما أراه ذلك على خلاف ما هو به لطفًا أنعم به عليه وعلى أمته، ليكون أثبت لقلوبهم وأقدم لهم على لقاء عدوهم، ولولا ذلك لما جازت هذه الحالة من الله تعالى في نبيه صلى الله عليه وسلم.
{وَلَوْ أَرَاكَهُمُ كَثِيرًا لَّفِشِلْتُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: لاختلفتم في لقائهم أو الكف عنهم.
والثاني: لجبنتم عنهم وانهزمتم منهم.
{... وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: سلّم من الفشل.
والثاني: لجبنتم عنهم وانهزمتم منهم ولكن الله سلم من العدو.
وفيه ثالث: ولكن الله سلم أمره فيهم حتى نفذ ما حكم فيهم به من هلاكهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ}
المهدوي {إذ} نصب بتقدير واذكر.
قال القاضي أبو محمد: أو بدل من {إذ} المتقدمة وهو أحسن، وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى فيها عدد الكفار قليلًا فأخبر بذلك أصحابه فقويت نفوسهم وحرضوا على اللقاء، فهذا معنى قوله: {في منامك} أي في نومك قاله مجاهد وغيره.
وروي عن الحسن أن معنى قوله: {في منامك} أي في عينك إذ هي موضع النوم، وعلى هذا التأويل تكون الرواية في اليقظة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول ضعيف، وعليه فسر النقاش وذكره عن المازني، والضمير على التأوليين من قوله: {يريكهم} عائد على الكفار من أهل مكة، ومما يضعف ما روي عن الحسن أن معنى هذه الآية يتكرر في التي بعدها ن لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب في الثانية أيضًا، وقد تظاهرت الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم، انتبه وقال لأصحابه: «أبشروا فلقد نظرت إلى مصارع القوم» ونحو هذا، وقد كان علم أنهم ما بين التسعمائة إلى الألف، فكيف يراهم ببصره بخلاف ما علم، والظاهر أنه رآهم في نومه قليلًا قدرهم وحالهم وبأسهم مهزومين مصروعين، ويحتمل أنه رآهم قليلًا عددهم، فكان تأويل رؤياه انهزامهم، فالقلة والكثرة على الظاهر مستعارة في غير العدد، كما قالوا: المرء كثير بأخيه، إلى غير ذلك من الأمثلة، والفشل الخور عن ألأمر، إما بعد التلبس وإما بعد العزم على التلبس و{لتنازعتم} أي لتخالفتم و{في الأمر} يريد في اللقاء والحرب و{سلم} لفظ يعم كل متخوف اتصل بالأمر أو عرض في وجهه فسلم الله من ذلك كله، وعبر بعض الناس أن قال: «سلم لكم أمركم» ونحو هذا مما يندرج فيما ذكرناه وقوله: {إنه عليم بذات الصدور} أي بإيمانكم وكفركم مجاز بحسب ذلك، وقرأ الجمهور من الناس {ولكنَّ الله سلم} بشد النون ونصب المكتوبة وقرأت فرقة {ولكن اللهُ} برفع المكتوبة. اهـ.